منتديات زاوية بلعموري
حللتم أهلا ونزلتم سهلا
أنت غير مسجل
سجل عضويتك وشارك بأفكارك
أقبل ولا تتردد
نرحب بالاعضاء و كل الزوار
نتمنى لكم قضاء أوقات ممتعة
مشاركتم معنا دعم للمنتدى

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات زاوية بلعموري
حللتم أهلا ونزلتم سهلا
أنت غير مسجل
سجل عضويتك وشارك بأفكارك
أقبل ولا تتردد
نرحب بالاعضاء و كل الزوار
نتمنى لكم قضاء أوقات ممتعة
مشاركتم معنا دعم للمنتدى
منتديات زاوية بلعموري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مصطفى الأشرف المثقف العقلاني الذي رافع من أجل دولة عصرية

اذهب الى الأسفل

مصطفى الأشرف المثقف العقلاني الذي رافع من أجل دولة عصرية Empty مصطفى الأشرف المثقف العقلاني الذي رافع من أجل دولة عصرية

مُساهمة من طرف نوّارة لحرش الخميس 27 أكتوبر 2016 - 22:54

المؤرخ الاجتماعي والمفكر والعالم والمناضل الثوري والسياسي مصطفى الأشرف (7مارس 1917/ 13 جانفي 2007)، وهو أحد مؤسسي الفكر الجزائري في بعده النضالي والإنساني التحرري، هو أيضا ناقد ورجل أدب وسياسية ودبلوماسية. تقلد منصب مدير جريدة المجاهد، ورئيس تحرير جريدة نجم الجزائر التي كانت تصدر بباريس، وعمل سفيرا للجزائر بالأرجنتين ثم مستشارا برئاسة الجمهورية، كما تولى وزارة التربية الوطنية في السبعينات.
إستطلاع/ نوّارة لحرش
ابن شلالة العذاورة بالمدية، درس
بالجزائر ثم باريس، وكتب في جرائد مختلفة مقالات في الفكر والأدب والنقد والسياسة والمجتمع، ومن خلال الكتابة الصحفية انطلق إلى الكتابة الأرحب في مجالات الفكر والأدب وعلم الاجتماع. حيث كتب ونشر كتبا كثيرة في تخصصات ومواضيع مختلفة، تمحورت أكثرها حول الهوية الجزائرية ومقوماتها الأساسية من إسلام وعروبة وأمازيغية، منها: "Chansons de jeunes filles arabes" عام 1953. وكان أول كتاب له بعنوان Colonialisme et féodalités,indigènes en Algérie في إطار الفكر الاجتماعي، والذي كان طرحا ومحاولة لشرح عناصر المجتمع الجزائري في تلك الفترة، وقد نشر الكتاب عام 1954. وفي عام 1965 صدر له عن Maspero في فرنسا كتابه المهم (الجزائر أمة ومجتمع) في علم الاجتماع التاريخي. وقد تم إعادة نشره في الجزائر عام1988. وفي1981 نشر كتاب "التاريخ، الثقافة والمجتمع". وغيرها من عناوين كثيرة لكتب صدرت له في مختلف التخصصات. وبعد اشتغال سنوات مديدة من التأريخ الاجتماعي للجزائر ومن الكتابة النقدية والأدبية، أرخ الأشرف لسيرته الذاتية، حيث انكب على التأريخ لحياته الزاخرة بالأحداث والذكريات والتجارب الإنسانية والسياسية، وذلك في كتاب ،Des noms et des lieux, mémoire d une Algérie oubliée، الذي صدر عن منشورات القصبة بالجزائر عام 1998، وتُرجم إلى اللغة العربية تحت عنوان "أعلام ومعالم، مآثر عن جزائر منسية". في حين كان آخر ما نُشر لمصطفى الأشرف كِتاب "القطيعة والنسيان Les ruptures et l oubli" عام 2005. كُتب كثيرة ألفها الأشرف، وشكلت إرثا ثقافيا ومعرفيا مهما في تاريخه ومسيرته وفي تاريخ التأليف الجزائري والكوني بصفة عامة.
اليوم وتكريما للرجل ومسيرته الحافلة بالفكر والتأليف والاجتهادات الأدبية والنقدية والفلسفية الاجتماعية، يخصص كراس الثقافة عدده هذا الأسبوع لاستحضار الأشرف، كاتبا وإنسانا ومفكرا، وهذا من خلال شهادات بعض من عايشوه ومن قاربوه بالقراءات والدراسات والترجمة.
مصطفى ماضي/ أستاذ السوسيولوجيا بجامعة
الجزائر وناشر مؤلفات الأشرف
المثقف العارف بهموم مجتمعه والملتزم بقضايا شعبه
نحن هنا أمام رجل كان وثيق الارتباط بهموم مجتمعه وشديد الالتزام بقضايا شعبه وأمته، رجل منتبهًا ليس فقط للعوامل المحددة للنسيج المجتمعي، بل إلى الجزئيات والتفاصيل. رجل ناضل سياسيا وفكريا من أجل إثبات:
الجزائر هي مجتمعا وأمة، رجل كتب آلاف الصفحات ليس فقط لتحرير التاريخ وتصفيته من الاستعمار، بل من أجل تخليص التاريخ من الاستعمار (حسب تعبير صديقه، المناضل والمفكر محند الشريف ساحلي).
رجل لم يكن يطمح إلا لإنزال هذا الشعب المقام اللائق به لتحقيق مطامحه المشروعة في أفق جديدة وعصرية متأصلة في تاريخها وثقافتها. رجل يعتبر خير ناطق باسم جيل شديد المراس. نحن هنا أمام شاهد مرموق، شاءت عناية الأقدار أن تضعه في موقع الامتياز، رجل أحبّ وطنه ودأب على التغني به شعرا وأدبا وتحليلا، مدليا بشهادته في شكل معزوفات أخاذة، ليس في وسعنا سوى أن نسترسل في الاستمتاع بها والنفاذ إلى مدلولاتها العميقة، حتّى وإن دفعت بنا الرغبة، أحيانا، على محاولة "تخطي" بعض الأسطر فيها، فلا نملك سوى أن نتماسك، خوفا من تعكير صفو النغم الأزلي المنبعث من تلك المقاطع الرائعة. إن داعبنا صفحات النقد الأدبي المتخصص، نتمتع برفقته بنقده لكاتب ياسين صاحب رائعة (نجمة) ولمولود معمري في نقده لروايته (الربوة المنسية)... وإن تصفحنا دوريات النقد السينمائي نكتشف الرجل المثقف، العالم والعارف بأسرار السينما من سيناريو وإخراج وصورة وذاكرة.
إنه المفكر والأستاذ (الذي لم يدرّس يوما واحدا في الجامعة
الجزائرية) العالم والعارف بهموم وطموحات شعبه، "بهُمله" ونُخبه. المرحوم مصطفى لشرف، الأشرف سليل عائلة وضعتها الأقدار في مقام الشرف، في مواقع حاسمة من تاريخ هذه الأمة، فما كان عليه سوى أن يساهم بدوره في صنع أمجادها والشهادة على ذلك، وتحديدا على الرجال الفاعلين في الثقافة والتاريخ النضالي. عند مطالعتنا لكتابه الأخير نجد أنفسنا أمام شهادات مليئة بحنين مداعبة صفحات كتب تراثية ومرجعية اقتناها مصطفى لشرف عبر مسيرته التعليمية والتربوية والدبلوماسية من شلالة العذاورة إلى سيدي عيسى إلى أمريكا اللاتينية مرورا بتونس وباريس والقاهرة وبيروت، شهادات تركها لنا قبل وفاته في هده الصفحات: "أعلام ومعالم، مآثر جزائر منسية"(Des noms et des lieux)، راجيا منّا التذكير بها وعدم نسيانها أو تغييبها.
أعلام وكتب ومعالم Des noms ,des livres et des lieux ذلك هو العنوان الأول لهذا الكِتاب الذي اقترحه علينا الراحل مصطفى لشرف حينما جمعنا به لقاء أول في منزله بالأبيار (العاصمة) في شهر أفريل من سنة1997. وبعد قراءة المخطوط ومناقشة مستفيضة ودقيقة حول المحتوى والعنوان المناسب تم الاتفاق على العنوان الحالي: Des noms et des lieux. والحقيقة أنني ندمت على ما اقترحته عليه أي حذف عبارة "كتب" حتى ولو كان ذلك على حساب طول العنوان وجمالية الغلاف، لأن الكِتاب هو مسيرة مصطفى لشرف من خلال أمهات الكُتب والمصادر باللغتين العربية والفرنسية، نعم أقول باللغتين العربية والفرنسية للذين يتهمونه بمعاداته للعربية.
لماذا أعلام ومعالم؟
عندما اقترحت نقل الكِتاب إلى اللغة العربية على صاحب دار القصبة عملا بتوصية الراحل مصطفى لشرف، تعددت الآراء واختلف المترجمون والمهتمون بالموضوع حول اختيار العنوان باللغة العربية، هذا الزميل محمد عباس يكتب عن الكِتاب ويسميه "أسماء وأمكنة" وذاك الصديق حميد عبد القادر يكتب مقالا عن الكِتاب ويسميه "أسماء وأمكنة" وباقي الصحف الناطقة بالعربية كانت تخلط و"تعربز"... وفي غمرة توالي حلقات الشريط، تذكرت ما قاله لي أستاذنا مصطفى لشرف عندما كنّا نتبادل أطراف الحديث، معرجين آنذاك على موضوع النشر وأهمية الترجمة إلى العربية: "إذا فكرتم مستقبلا في الطبعة العربية، عليكم بالتعريب والابتعاد عن الترجمة الحرفية، الترجمة يا سي ماضي هي ثقافة أولا قبل أن تكون لغة والعنوان الأنسب الذي أراه وأفضله هو -أعلام ومعالم-". واحتراما لوصية المرحوم، الرجل العارف والعالم والرجل الذي كافح من أجل أن تصبح
الجزائر أمة ومجتمعا، رأيت الوفاء لأمنيته حتى وإن اعترض أصحاب الاختصاص من المترجمين.
وكانت سعادتي كبيرة عندما جاءني الصديق أحمد بكلّي من العطف بغرداية الذي وقع عليه اختياري النهائي ليكون له شرف تعريب هذا الكِتاب المرجعي ودون أن يسمع مني ما قاله لي لشرف اقترح لوحده العنوان "أعلام ومعالم".. وقد أفلح، لعمري، في ذلك، وهو ما يؤكد أنني أحسنت الاختيار. صدر الكِتاب باللغة الفرنسية سنة 1998، وبالمناسبة زرت شيخنا في بيته حاملا معي 30 نسخة عوضا من 12، لأسلمها له. وبدل أن يفرح بالثلاثين نسخة ككل المؤلفين، مثلما كنت أحسب، أبدت زوجته فرحتها بينما انفعل هو وثار غضبا قائلا لي بالحرف الواحد: "لِمَ كل هذه النسخ يا سي ماضي؟ قلت لتهديها لأصدقائك وأقربائك". قال: "لا... علينا أن نحترم الكتاب ولا نبخسه، والصديق هو من يشتري الكِتاب، لا من يأخذه (باطل) وبالمجان، رجائي الوحيد هو أن
يجده الأصدقاء في المكتبة المجاورة، ومن رغب في أن أهدي له الكتاب بتوقيعي ما عليه إلا أن يمر على المكتبة ويأتي بنسخة لأوقعها له. وبهذه الطريقة نعلم الناس احترام الكتاب. هذا ما تعلمته من شيخنا وأستاذنا مصطفى لشرف الذي يحب الكِتاب ويقدره حد التقديس. وأخيرا فهمت لماذا اختار العنوان الأول: "أعلام وكُتب ومعالم"، ليس فقط لأنه خصص صفحات طويلة للكُتب التي اقتناها هنا وهناك وقرأها، بل لأنه يعرف كيف يربي الناس على حب الكِتاب.
بقيت وصية واحدة تركها لي عليّ بتنفيذها مستقبلا. أهداني كتيبا باللغتين العربية والفرنسية تناول فيه "تاريخ وأصول الحصان العربي" (نشر فقط في طبعة محدودة ب300 نسخة) مقترحا منّي نشره شريطة أن يُرفق بصور جميلة فنيا وأصيلة تاريخيا للحصان العربي. ومنذ رحيله وأنا أبحث دون جدوى على صور للحصان العربي. ومن يعرف الراحل مصطفى لشرف يعرف مدى تمسكه بالعمل الجاد وبخاصة بحبه للتراث الفني الأصيل.
أحمد بن محمد بكلّي/ كاتب ومترجم
رجل حمل هم الأجيال السالفة ومطامح الأجيال المقبلة
مصطفى لشرف، اسم مرموق شد اهتمامي إليه، فور شروعي -المتأخر نسبيا- في الدراسات الجامعية، في بداية السبعينيات. كان ذلك من خلال اقتنائي لمؤلفه المرجعي، "
الجزائر: أمة ومجتمع". فحتى وإن قرأته باللغة الفرنسية، وهي اللغة التي أُلف بها، فإن الذي أثار فيّ الاهتمام فورا، وحرك فِيّ اعتزازا مبهما متولدا، هو أن أجد الرجل يكتب بلغة محض جزائرية. لغة فرنسية، لكن ألوانها بلون هذه الفضاءات الشاسعة وهذه النصاعة المتصببة غزيرة على هذه الأرض، غزارة الشمس التي تملؤها بالدفء، والأمطار التي ترويها والثلوج التي تلفها في صوفية برانسها. مؤلَّف وضع بين يديّ فورا – كشأن عشرات القراء دون شك – مشروع بدائل عن هيمنة كانت تبدو حتما مقضيا. هيمنة، بسطتها مدارس العلوم الإنسانية، انتهى أمرها بصياغة مفاهيم استولت، هي أيضا، على فضاءات الفكر، بما حملته من جدية في التقصي والبحث، وربما يكون عيبها أنها تسرعت في الشمولية والتعميم. الجديد الذي جاء به لشرف، يؤكد أيضا على أن مصداقية العلم رَهْنٌ بمصداقية استعمالاته. الجديد الذي جاء به لشرف منظور جزائري محض، يستكشف مكنون آليات عريقة للبقاء، تديم نسيج التجاور والترابط والتضامن، والتوادّ، وما احتوته أيضا من مختلف أشكال التعبير عن النشوة المشتركة، ومن هنا، جاء شحذها لآليات الرفض والمقاومة. الجديد الذي جاء به لشرف يناقض نمطيةً، لم تكن تخلو من استعلاء، كانت تتخذ منطلقها من تصنيف الشعوب إلى متحضرة وبدائية، وتدرج البلدان المستعمَرة المستضعفة في المراتب الدنيا من هذا التصنيف. باسم العلم، وصل الأمر بها، وبهم، إلى حد إقصاء سكان هذه الأرض الجزائرية، ليس فقط من ديارهم وأموالهم، لكن أيضا من تاريخهم، مع أنه ترك شواهد في هذه الأرض. لقد دفع بها منطق الاستحواذ إلى حد اعتبار هذه الشواهد امتدادا لتاريخها. تغييب الموضوعية بهذا الشكل، أفضى إلى غياب الفهم عنها، وعنهم، يوم أن وجدوا أنفسهم، رغم إصرارهم على البقاء، يغادرون هذه الأرض من غير أن يعرفوا لماذا، وكيف. وهو ما جعل ستينيات القرن الماضي عشرية ازدهار لمؤسسات ومعاهد البحث المتعلق بالعالم الثالث. غير أن المقاصد ستظل دوما خير دليل على وجهة الحقيقة. فبكل بساطة، سلك مصطفى لشرف نهج الدارس الصارم المنصت إلى نبض أرضه، والملتزم بأدوات وآليات ناسه. ذلك هو ما لمسته أيضا في "أعلام ومعالم". بالطبع لا يتسع المجال للتفصيل في هذا، لكن يمكن لفت النظر إلى معطيات ساعدت عليه. من هذه المعطيات، انتماء الكاتب إلى سلالة دأبت على الاضطلاع بالمهام المصيرية. كان والده قاضيا يحمل مواصفات الصرامة التي تعتبر ميزة المهنة ورجالها، ومن جملة الأحاديث الجادة التي فاتحه بها باقتضاب، يوم أن لمس فيه جدية مُؤهِّلة، جملٌ دفعت الولد فورا إلى سلوك دروب البحث عن المعلومات التاريخية، في المكتبات الفرنسية، رغم أنها كانت تُوصد في وجهه باستمرار. قال له أبوه: "جدّكْ زادْ في المَرحُول في كَافْ أفُولْ"، فراح الولد مصطفى يبحث ليجد بأن "كاف أفول" معركة سميت باسم الربوة التي وقعت فيها. وُلِدَ جده حمزة إذن سنة 1844، في "المرحول" أي في المخيم المتنقل المنطلق لخوض معركة كاف أفول، بشلالة العذاورة، وكان والد جده، ربّ خيمة مقاتلة تحت راية الأمير عبد القادر.
لئن وجدنا في الرجل صرامة قد يتصورها البعض عدوانية مبالغا فيها، فعذره في ذلك، بصرف النظر عن مقتضيات الكفاح التحرري، أن عائلته قد نشأت في مضامير الجدية، فكانت الصرامة خاصية لم تَستثْنِ أحدا فيها، بما فيهم عمه العابد. كان يحلو لمصطفى أن يتحدث عن عمه الذي أعجب به، رغم أميته، فراح يصف فيه كل شيء، إلى غاية ترتيب صلواته وأذكاره، بصرامة تكشف عنها العبارة الخاصة به، والتي تجري على لسانه، في حالة تبرمه من اختلاط المقاييس: "يا مواتي محمد!". ومن المعطيات أيضا، انتماء الكاتب إلى منطقة تعتبر تَولِفَة موفقة بين محتويات هذه الأرض، جمعت بين الحل والترحال الذي يشد الامتداد الرحب المتوغل إلى أعماق الصحراء، بسفوح الجبال الشامخة. حل وترحال، ركبت العلوم متنه، لتحل بالتيطري والحضنة وبلاد القبائل وتستقر فيها، لتنسج وشائج الألفة الخلاقة بما عهد عندها الخالق، ثم تنطلق منها لتعكس أنوار إشعاعها على الأغوار العربية والإفريقية. منطقة دأبت على النشاط الاقتصادي، الذي تجسد في ترتيب الأسواق والتبادل، وفي تربية الغنم والخيل، فاختصت في تربية النوق الرواحل. حيوانات ذاع صيتها، مما عرَّضَ المنطقة أيضا إلى التجريد التام من طرف الجيش الفرنسي الذي حجز أنعامها، ليجهز بها جيشه المنطلق إلى أعماق أفريقيا، عبر الصحراء. منطقة "تحتضن" قرية تدعى "سيدي عيسى"، نسبة إلى الولي الصالح سيدي عيسى بن أحمد، يقول الكاتب بأن قبره كان مزار الناس البسطاء كلهم، مهما اختلفت دياناتهم، يربط بينهم بدفء علاقات إنسانية، تصبو إلى نعيم الغد الأفضل. تحدث عن عينات من هؤلاء الناس العاديين جدا، والذين صاغ سخاؤهم وحبهم المتواضع محتويات ذاكرته، فمن "سي أحمد مدواس"، معلم الكتّاب (أو المحضرة)، إلى صديقه "سي العزوزي" البائع المتجول السوفي، المختص في بيع الثياب المستعملة في الأسواق، لتكتسي بها الجيوب المتواضعة. كان يأتي معه أيضا بكتب ومجلات مستعملة، وصلت إليه عبر دروب رسمتها الأيام، انطلاقا من مصر، مرورا بليبيا
فتونس، لتصل إلى الجزائر وتصب عليها من نفحات الوطنية المستيقظة هناك أيضا، ليأنس بها الجزائريون، وكانوا من جهتهم في عز المد الوطني العازم على التحرر، مهما كلف ذلك، بالجهر تارة، وفي ظروف السرية والكتمان بصفة أخص. وطنية صاروا، بمساعدة تلك الكتب والمجلات المتدفقة على الجزائر، يأنسون بها، ويتلفظون بها، ويتغنون بها، بلغة عربية كانوا يحنون إليها. ثم إلى شخصيات أخرى، من الأفضل أن نترك للقارئ فرصة التعرف عليها، على لسان الكاتب. فمن أزقة المدينة الصغيرة، حيث لعب الكاتب، وجرى، كغيره من أطفال الجزائر، حافي القدمين، مرورا ببوسعادة الواحة الجريئة، التي حققت الإجماع حولها فاستقطبت الطوافين الباحثين عن الجمال الذي تلذ به الأعين وتطمئن له الأنفس. كان لشرف من بين الشاهدين على ذلك، حين عمل فيها كاتبا في المحكمة، فخصص قسما كبيرا من أجرته لاقتناء مكتبة "عبد الرحمن إيتيان ديني"، أحد معالم المدينة، وصولا إلى شوارع مدينة الجزائر، مسقط رأس والدته، حيث انكب على استكشاف جماليات الحضرية "الدزيرية" أيضا، عبر عائلة آل أدزيري، بواسطة الصداقات التي ربطته بذوي الخبرة في ذلك، على غرار المهندس المعماري المرموق، أندري رافيرو، معجبا بكتاباته حول القصبة، إلى ماكس بول فوشي، وغيرهم من المبدعين. مضمار لا متناه، ينطلق من البداوة الأصيلة إلى الحضرية الرقيقة، ولن يتوقف عند هذا الحد، حيث سيمتد به التجوال عبر باريس، محط الكتبيين والكتب، إلى أمريكا الجنوبية دون أن يغفل أن يعرج على القاهرة، وفي كل مرة، لم يكن لباس الرسمية باعتباره سفيرا للجزائر، يمنعه من أن يطوف بالساحات حيث تعرض الكتب، فيلتقط بعض نفائسها. من المعطيات أيضا، الانتماء إلى شعب ينثني، لكن دون أن ينحني أو يتكسر، في انتظار دورة الأيام التي ستضعه في الموقع المناسب لمواصلة الكفاح. ومنها أخيرا، تكوينه المزدوج، حيث وضعته يد الأقدار في دروب مثلى، أهلته لأن يتعمق في اللغة العربية بنفس درجة تعمقه في الفرنسية. تحضرني في هذا الصدد، شهادة أحد الأصدقاء، وهو أستاذ في اللغة الفرنسية بمدينة العطف (التي ولدت فيها وأسكنها)، هو من بلاد القبائل، كان يسكن العاصمة. جرنا الحديث إلى ذكر لشرف، فقال لي: "كنت في les asphodèles، حين شاهدت الأستاذ لشرف ماضيا إلى داره، قادما من السوق بقفة ممتلئة ثقيلة. وضعها على الأرض ليستعيد أنفاسا كان كِبرُ سنه في حاجة إليها. تقدمت إليه لأعرض عليه المعونة، فهز رأسه بالرفض." رغم تقديره لمصطفى لشرف، إلا أنه أبدى عدم فهمه لسبب الرفض. قلت له: يريد أن يقول لك "ليس بهذه السهولة!". فمن الناس من يبتهل فرصة كهذه ليقفز للتعرف على شخصية مرموقة مثل مصطفى لشرف. فهو يريد أن يعيش مع الناس، ومثل الناس، لكنه حريص على وضع الحواجز التي تقيه من الابتذال.
ذلك هو الرجل. رجل حمل هم الأجيال السالفة ومطامح الأجيال السالفة والمقبلة، ويخيل بأنه كان يسابق الزمن ليفرغ مكنون صدره، وقد فعل. وكما قال: "تلك الأجيال السالفة التي ورث عنها جيلنا شدة الارتباط بعمق
الجزائر الجزائرية، كما كان عليه شأن الأجيال الأخرى إلى نهاية حرب التحرير الوطنية". نعم لقد بلغ. نشهد على ذلك. علينا أن نمعن في قراءة ما كتب. وعلينا أيضا أن نستعيد توظيف المناهج التي صاغت هذه القامات. وهو برنامج عمل مكتمل.
عمر مهيبل/ باحث أكاديمي ومترجم
مفكر نقدي استطاع أن يشكل عالمه الخاص انطلاقا من قناعات آمن بها وناضل من أجلها
يتربع الكاتب والمفكر المرحوم مصطفى الأشرف على أعلى هرم التراتبية الخاصة بالأنتلجنسيا المفرنسة في
الجزائر دون منازع، فقد كان لسان حالها اجتماعيا وتنظيريا بكل ما تمثله من سطوة ونفوذ داخل المؤسسة الثقافية الجزائرية بعامة، وداخل دواليب السلطة القائمة بخاصة. بداية أشير إلى أنه لم يتيسر لي أي لقاء مباشر مع مفكرنا مصطفى الأشرف، بل لقد عرفته عبر كتاباته المتعددة باللغة الفرنسية حصرا ما جعلني في مأمن من أية نوستالجيا أو ذاتوية عند بلورتي لمقاربتي النقدية لمجمل مواقفه وميراثه الفكري الموزع بين الفلسفة والتاريخ والاجتماع والدراسات اللغوية والتربوية وبخاصة كتبه المحورية "الجزائر الأمة والمجتمع"، و"الثقافة الجزائرية المعاصرة: مقاربة حول التعريفات والآفاق"، و"أعلام وبقاع". وإجمالا يمكن تلخيص أبرز سمات التميز عند مصطفى الأشرف في النقاط المتداخلة التالية: أولا: تتميز كتابات مصطفى الأشرف بثراء فكري رفيع وبمسحة عقلانية واضحة. ثانيا: تتميز أيضا بديمومة توجهه الفكري وتواصله عبر السنين، وبانسجام مواقفه النظرية مع مطالب الواقع كما عاشها وعايشها بالرغم من الصعاب التي واجهته. ثالثا: "يتآلف داخل مؤلفاته التنظير الفلسفي مع المسح السوسيولوجي والموقف الإيديولوجي الداعي إلى تأسيس خصوصية ثقافية جزائرية تستمد مقوماتها من الذات أو الوجدان التاريخي الجزائري بكل تقاطعاته اللغوية والحضارية. رابعا: حرصه الدائم على استخدام الأساليب والتراكيب اللغوية الفرنسية الكلاسيكية في مؤلفاته في مستوى متقدم من البراعة الأسلوبية، ومن ثمة المعرفية والدلالية. لقد شكل البحث عن خصوصية ثقافية جزائرية، كما ذكرت سابقا، هاجسا موجها لديه، الأمر جعله يتجشم مخاطر منهجية ومعرفية وسوسيولوجية غير مضمونة النتائج، إذ، وبالرغم من أن البحث عن التفرد والخصوصية هاجس متأصل في كينونة الإنسان الأولى، إلا أن هذا الهاجس تحول إلى مصدر أشكلة عند مصطفى الأشرف، فقد دافع بجرأة، والحق يقال، عن قيام دولة جزائرية مدنية لائكية تحترم خصوصية الفرد وتثمن قدراته الفطرية بعيدا عن هرطقات الأنثروبولوجيا القبلية والشعبوية، وبعزل عن أي تضييق ديني أو معتقدي. ولكن في مقابل ذلك، تخضع هذه الدولة ذاتها لضرورة واحدة في غاية الدلالة والخطورة، وتقع خارج نطاق العقد الاجتماعي المتفق عليه مسبقا، هي الضرورة اللغوية، واللغة الأجنبية الفرنسية تحديدا، بحيث تتحول والثقافة الوطنية، ومن ثمة مهمة الدولة الوطنية الجزائرية، إلى مجرد ممارسة تطهيرية لتخليص البلد من إثم كل ما يحيل المخيال الثقافي العربي، وهنا مكمن المفارقة الكبرى في مشروع مصطفى الأشرف. وعليه، إذا كنا جميعنا نعتقد بأن أهم وظيفتين تضطلع بهما اللغة، كل لغة، هما: التواصل والإفهام فإن ذلك يعني بداهة أن اللغة أداة حيادية يمكن توظيفها حيثما نشاء، وهذا يعني بداهة أيضا أن ما ينطبق على اللغة الفرنسية التي يقدسها ينطبق على بقية اللغات الأخرى.
على كل، إن المقام هنا لا يسمح بالغوص أكثر داخل تضاريس مشروع مصطفى الأشرف الفكري والسياسي، فقط أقول: إن مصطفى الأشرف مفكر نقدي استطاع أن يشكل عالمه الخاص انطلاقا من قناعات راسخة آمن بها وناضل من أجلها بكل صدق وصفاء، وهذا يكفيه ويزيد في زمن كثرت فيه ضروب الردة ومظاهر التزلف والرياء.
عبد السلام فيلالي/ أستاذ محاضر بجامعة
عنابة
مصطفى الأشرف.. بناء الدولة وترسيخ العقلانية
يأخذ الكلام أهميته عند تناول سيرة الأستاذ مصطفى الأشرف من حيث أن الرجل دخل التاريخ من الباب الواسع عندما ظهر مقيد اليدين رفقة جماعة الوفد الخارجي (أحمد بن بلة، ومحمد خيضر، و حمد بوضياف) بعد اختطاف طائرتهم في 22 أكتوير 1956، وفي كونه عضوا بالمجلس الوطني للثورة
الجزائرية، ثم في مشاركته الفعالة في صياغة وثيقة مؤتمر طرابلس 1962 التي حددت خيارات الدولة الجزائرية الفتية. وسوف يتكرس اسمه ضمن الأنتلجانسيا الجزائرية بعد صدور كتابه الشهير: "الجزائر..الأمة والمجتمع"، الذي هو مجموعة من المقالات الصحفية تناولت الشأن الجزائري إبان الفترة الاستعمارية. لقد كشف من خلال هذه المقالات عن عمق في التناول والتحليل حول طبيعة وأفق المجتمع والثورة. كما كشف عليه اجتهاده حين عرف الجزائر كبلد مستعمَر وشبه إقطاعي، ودعوته إلى بناء دولة، وإلى اعتماد الإصلاح الزراعي والتصنيع، وتحرير المرأة والقضاء على مخلفات الإقطاع.
تبدو أفكار مصطفى الأشرف "تقدمية" من خلال ارتباطها بالحداثة وتجاوز مخلفات الماضي (روح الاستغلال والتفاوت الاجتماعي)، كما كشف عنها في كتابهDes noms et des lieux. وكان هذا ما تعكسه كتاباته، وهنا أتذكر مقالا مطولا كتبه في جريدة الشعب، وكان يرد فيه على منتقديه. لقد كان التصنيف حينذاك يمر عبر الصراع على مقومات الهوية
الجزائرية، وحيث أن مصطفى الأشرف كان يعتبر من أهم المدافعين عن الفرانكوفونية في الجزائر. لقد كان رده موجها للأستاذ عثمان سعيدي دون أن يذكره بالاسم، ردا كتبه بلغة عربية جد رصينة، دافع فيه بكل قوة عن اللغة العربية رافضا أن يتم المتاجرة بها.
إن إشكالية الهوية هي أهم موضوع يرتبط بمسار الأستاذ مصطفى الأشرف، إننا اليوم نشعر بتراجع حدة النقاش، ولكنه يظل ماثلا بقوة. وذلك لأننا نرى جزء منه قد تم معالجته نسبيا. ففيما يتعلق بالدين الإسلامي، إن كثيرا من المفاهيم تغيرت حول ما يتعلق بدوره في المجتمع وطبيعة القضايا السياسية والاجتماعية التي ينبغي أن تقوم. وهذا راجع إلى عمق الجرح الذي تركه الصراع أيام ذروته (ما جرى في التسعينات من القرن الماضي). وأما ما تعلق باللغة العربية (جوهر هذه الإشكالية)، نستطيع القول أن نوعا من التوازن قد استجد، والمعالجة تمت انطلاقا من رفض الحدية في المعالجة، أي رفض كل أشكال التطرف والإلغاء والاستفادة من التنوع خاصة مع أخذ البعد الأمازيعي مكانته الطبيعية في المشهد الثقافي والسياسي.
إن مراجعة سريعة لدور النخبة
الجزائرية بعد الاستقلال، تؤدي بنا إلى تقدير دورها في تكريس عقلانية أسست لدولة جزائرية استطاعت الصمود أمام تذويب الشخصية الجزائرية. إننا اليوم وفي ظل تراجع الإسهام الفكري وغياب النقاش حول متطلبات المجتمع، ندرك مدى أهمية مساهمة ذلك الجيل (مالك بن نبي، رضا مالك، مصطفى الأشرف، محمد حربي، محمد أركون، عبد القادرجغلول، أبو القاسم سعد الله....)، وندرك أهمية مراجعة أعمالهم ليس بمنظور معياري، وإنما من منطلق تأكيد تلك العقلانية.
لقد أدى مصطفى الأشرف دوره كاملا، كمناضل وكصحفي وكرجل سياسي، وكان همه هو بناء دولة جزائرية حديثة وحداثية بعيدا عن كل شوفينية، جزائر لا تتنكر لماضيها العريق وتتبنى مقومات العصر.
حميد عبد القادر/ روائي وكاتب صحفي
الانتماء المزدوج مكنه من تحقيق التوافق بين التقليد والحداثة
لا يمكن فهم فكر مصطفى الأشرف بدون قراءة سيرته الذاتية المنشورة بعنوان "أعلام وأمكنة"، ففيها ندرك انتمائه لعائلة ذي أصول عريقة(العذاورة). كان والده باش عادل المحكمة. أما والدته، فتنتمي إلى إحدى أكبر العائلات الأندلسية التي استقرت
بالجزائر العاصمة (القصبة) عقب سقوط الأندلس سنة 1492. وقد مكنه هذا الانتماء المزدوج من تحقيق التوافق بين التقليد والحداثة، وربط الحاضر بالتاريخ. وأضاف لهذه الازدواجية توافقا آخر بين المدنية والبداوة. ولد في شلالة العذاورة التي تعد كمركز شبه حضري يتعايش مع البداوة. ومن هذه الازدواجية وضع الأشرف أسس نظريته الثورية التي تعتمد على فئة الفلاحين باعتبارها الفئة الثورية، وعلى المراكز الحضرية لتحقيق الملك أو الدولة، بتأثير من النظرية الخلدونية، كما يبدو في جل مؤلفاته، وبالأخص في كتاب "الجزائر: الأمة والمجتمع". وكتب الأشرف في مذكراته، أنه لم يجد أي صعوبة في التأقلم مع الوسط الحضري، حينما انتقل للدراسة في الجزائر العاصمة، فقد كان يملك من الثقافة المزدوجة، ما مكنه من التأقلم السريع، والتنقل بين الثقافتين العربية الإسلامية والغربية، مع التوصل إلى استنتاج مغاربي. وليس من المبالغة القول إن الأشرف يعتبر بحق ابن القرن العشرين، فبالإضافة لسحره بفكرة التحضر والمدنية واحتفاظه بالانتماء للبداوة، نجده قد تأثر بابن خلدون، وقرأ كتابه خلال مرحلة الشباب، الأمر الذي جعله لصيق الصلة بالمغرب، أكثر من تأثره بالأفكار التي راجت خلال عصر النهضة في الجزائر منذ ثلاثينات القرن العشرين، لذا ساند جماعة "الجزائر الجزائرية"، ورفض أطروحات القومية العربية. أُعتقل الأشرف، الذي كان عضوا فاعلا في حزب الشعب الجزائري، من قبل السلطات الإستعمارية، رفقة أربعة من قادة الثورة يوم 22 أكتوبر 1956 إثر عملية القرصنة الجوية على الطائرة التي كانت تقلّهم من تونس إلى الرباط، وسجن إلى غاية سنة 1961. ساهم في تحرير ميثاق طرابلس. ودعا إلى التأسيس ل "ثقافة وطنية ثورية وعلمية"، وحاول تحقيق هذه المبادئ لما عيّنه الرئيس هواري بومدين سنة 1977 في منصب وزير التربية الوطنية. لكنه سرعان ما عاد إلى النشاط الدبلوماسي، إلى غاية تقاعده سنة 1984.
Anonymous
نوّارة لحرش
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مصطفى الأشرف المثقف العقلاني الذي رافع من أجل دولة عصرية Empty رد: مصطفى الأشرف المثقف العقلاني الذي رافع من أجل دولة عصرية

مُساهمة من طرف الشلالي الأحد 22 يناير 2017 - 17:38

شكرا
الشلالي
الشلالي
عميد
عميد

ذكر الموقع : الجزائر
عدد المساهمات : 402
تاريخ التسجيل : 28/11/2014
المزاج : عادي
الابراج : الجدي تاريخ الميلاد : 01/01/1914
العمر : 110

https://belamouri.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى